Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة التوبة - الآية 112

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) (التوبة) mp3
هَذَا نَعْت الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اِشْتَرَى اللَّه مِنْهُمْ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِهَذِهِ الصِّفَات الْجَمِيلَة وَالْخِلَال الْجَلِيلَة " التَّائِبُونَ " مِنْ الذُّنُوب كُلّهَا التَّارِكُونَ لِلْفَوَاحِشِ " الْعَابِدُونَ " أَيْ الْقَائِمُونَ بِعِبَادَةِ رَبّهمْ مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال . فَمِنْ أَخَصّ الْأَقْوَال الْحَمْد فَلِهَذَا قَالَ " الْحَامِدُونَ " وَمِنْ أَفْضَل الْأَعْمَال الصِّيَام وَهُوَ تَرْك الْمَلَاذّ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْجِمَاع وَهُوَ الْمُرَاد بِالسِّيَاحَةِ هَهُنَا وَلِهَذَا قَالَ " السَّائِحُونَ " كَمَا وَصَفَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى " سَائِحَات " أَيْ صَائِمَات وَكَذَا الرُّكُوع وَالسُّجُود وَهُمَا عِبَارَة عَنْ الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ " الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ " وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَنْفَعُونَ خَلْق اللَّه وَيُرْشِدُونَهُمْ إِلَى طَاعَة اللَّه بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيهمْ عَنْ الْمُنْكَر مَعَ الْعِلْم بِمَا يَنْبَغِي فِعْله وَيَجِب تَرْكه وَهُوَ حِفْظ حُدُود اللَّه فِي تَحْلِيله وَتَحْرِيمه عِلْمًا وَعَمَلًا فَقَامُوا بِعِبَادَةِ الْحَقّ وَنُصْح الْخَلْق وَلِهَذَا قَالَ " وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ " لِأَنَّ الْإِيمَان يَشْمَل هَذَا كُلّه وَالسَّعَادَة كُلّ السَّعَادَة لِمَنْ اِتَّصَفَ بِهِ . " بَيَان أَنَّ الْمُرَاد بِالسِّيَاحَةِ الصِّيَام " قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَاصِم عَنْ ذَرّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ " السَّائِحُونَ " الصَّائِمُونَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس كُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن السِّيَاحَة هُمْ الصَّائِمُونَ وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك رَحِمَهُ اللَّه وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد عَنْ الْوَلِيد بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَتْ : سِيَاحَة هَذِهِ الْأُمَّة الصِّيَام وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء وَعَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيْرهمْ أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّائِحِينَ الصَّائِمُونَ وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " السَّائِحُونَ " الصَّائِمُونَ شَهْر رَمَضَان وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْعَبْدِيّ " السَّائِحُونَ " الَّذِينَ يُدِيمُونَ الصِّيَام مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث مَرْفُوع نَحْو هَذَا وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بُزَيْع حَدَّثَنَا حَكِيم بْن حِزَام حَدَّثَنَا سُلَيْمَان عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " السَّائِحُونَ هُمْ الصَّائِمُونَ " وَهَذَا الْمَوْقُوف أَصَحّ وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنِي يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ عُمَر بْن الْحَارِث عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّائِحِينَ فَقَالَ " هُمْ الصَّائِمُونَ " وَهَذَا مُرْسَل جَيِّد وَهَذَا أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَشْهَرهَا , وَجَاءَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السِّيَاحَة الْجِهَاد وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَة أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه اِئْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَة فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سِيَاحَة أُمَّتِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه " وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ اِبْن لَهِيعَة . أَخْبَرَنِي عِمَارَة بْن غَزِيَّة أَنَّ السِّيَاحَة ذُكِرَتْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَبْدَلَنَا اللَّه بِذَلِكَ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَالتَّكْبِير عَلَى كُلّ شَرَف " وَعَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ طَلَبَة الْعِلْم وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : هُمْ الْمُهَاجِرُونَ . رَوَاهُمَا اِبْن أَبِي حَاتِم وَلَيْسَ الْمُرَاد مِنْ السِّيَاحَة مَا قَدْ يَفْهَمهُ بَعْض مَنْ يَتَعَبَّد بِمُجَرَّدِ السِّيَاحَة فِي الْأَرْض وَالتَّفَرُّد فِي شَوَاهِق الْجِبَال وَالْكُهُوف وَالْبَرَارِي فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إِلَّا فِي أَيَّام الْفِتَن وَالزَّلَازِل فِي الدِّين كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُوشِك أَنْ يَكُون خَيْر مَال الرَّجُل غَنَمًا يَتَّبِع بِهَا شَغَف الْجِبَال وَمَوَاقِع الْقَطْر يَفِرّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن " وَقَالَ الْعَوْفِيّ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه " قَالَ الْقَائِمُونَ بِطَاعَةِ اللَّه وَكَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعَنْهُ رِوَايَة " الْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه " قَالَ لِفَرَائِض اللَّه وَفِي رِوَايَة الْقَائِمُونَ عَلَى أَمْر اللَّه .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الوقت أنفاس لا تعود

    الوقت أنفاس لا تعود: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن رأس مال المسلم في هذه الدنيا وقت قصير.. أنفاسٌ محدودة وأيام معدودة.. فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في الخير فطوبى له, ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمنًا لا يعود إليه أبدًا. وفي هذا العصر الذي تفشى فيه العجز وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة.. جدبٌ في الطاعة وقحطٌ في العبادة وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة.. أُقدم هذا الكتاب.. ففيه ملامح عن الوقت وأهميته وكيفية المحافظة عليه وذكر بعض من أهمتهم أعمارهم فأحيوها بالطاعة وعمروها بالعبادة».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229496

    التحميل:

  • الرسالة التبوكية [ زاد المهاجر إلى ربه ]

    الرسالة التبوكية : وقد كتبها في المحرم سنة 733هـ بتبوك، وأرسلها إلى أصحابه في بلاد الشام، فسّر فيها قوله تعالى: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } وذكر أن من أعظم التعاون على البر والتقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله ... وبيّن أن زاد هذا السفر العلم الموروث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم بيّن طريق العلم ومركبه وأن رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو التفكر والتدبر في آيات القرآن.

    المدقق/المراجع: محمد عزيز شمس

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265605

    التحميل:

  • آداب المشي إلى الصلاة مع بيان بعض أحكام الصلاة والزكاة ومايفسد الصوم

    آداب المشي إلى الصلاة : رسالة في بيان ما يُسن للخروج إلى الصلاة من آداب وصفة الصلاة وواجباتها وسننها، وبيان صلاة التطوع وما يتعلق بها، وصلاة الجماعة وواجباتها وسننها، وبيان صلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة والعيدين والكسوف والإستسقاء وصلاة الجنازة، وما يتعلق بالزكاة والصيام.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/264152

    التحميل:

  • شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة

    حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة: كتيب مبارك احتوى على جل ما يحتاجه المسلم من الأدعية والأذكار في يومه وليله، وما يحزبه له من أمور عارضة في شؤون حياته، وقد قام الشيخ مجدي بن عبد الوهاب الأحمد - وفقه الله - بشرحه شرحًا مختصرًا، وقام المؤلف - جزاه الله خيرًا - بمراجعته.

    المدقق/المراجع: سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1214

    التحميل:

  • التصوف بين التمكين والمواجهة

    هذا الكتاب يبين مدى ضلال وانحراف بعض الفرق الضالة التي تنتسب إلى الله وإلى شرعه وآل رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته - رضي الله عنهم -، وكيف أن مثل هذا الضلال يجعل أعداء الإسلام يتخذون أمثال هؤلاء للإضرار بالإسلام والمسلمين، بل ويدعمونهم ويصنعون منهم قوة يُحسب لها حساب وتلعب دور وهي تكسب بذلك ولاءهم.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/287647

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة