Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة المدثر - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) (المدثر) mp3
أَيْ يَا ذَا الَّذِي قَدْ تَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ , أَيْ تَغَشَّى بِهَا وَنَامَ , وَأَصْله الْمُتَدَثِّر فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال لِتَجَانُسِهِمَا . وَقَرَأَ أُبَيّ " الْمُتَدَثِّر " عَلَى الْأَصْل .

وَقَالَ مُقَاتِل : مُعْظَم هَذِهِ السُّورَة فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة .

وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّث - قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي - قَالَ فِي حَدِيثه : ( فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْت صَوْتًا مِنْ السَّمَاء فَرَفَعْت رَأْسِي , فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاء جَالِسًا عَلَى كُرْسِيّ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض ) . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا , فَرَجَعْت فَقُلْت زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي , فَدَثَّرُونِي , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ " ) فِي رِوَايَة - قَبْل أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاة - وَهِيَ الْأَوْثَان قَالَ : ( ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح .

قَالَ مُسْلِم : وَحَدَّثَنَا زُهَيْر بْن حَرْب , قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى يَقُول : سَأَلْت أَبَا سَلَمَة : أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " . فَقَالَ : سَأَلْت جَابِرَ بْن عَبْد اللَّه أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " فَقَالَ جَابِر : أُحَدِّثكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( جَاوَرْت بِحِرَاء شَهْرًا , فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي , فَنُودِيت فَنَظَرْت أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَنَظَرْت فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَرَفَعْت رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْش فِي الْهَوَاء - يَعْنِي جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَة شَدِيدَة , فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي , فَدَثَّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ " ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ فِيهِ : ( فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا , فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابَك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ . وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " ) .

اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ جَرَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُقْبَة [ بْن رَبِيعَة ] أَمْر , فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِله مَغْمُومًا , فَقَلِقَ وَاضْطَجَعَ , فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " وَهَذَا بَاطِل .

وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَقِيلَ بَلَغَهُ قَوْل كُفَّار مَكَّة أَنْتَ سَاحِر , فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ غَمًّا وَحُمَّ , فَتَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " قُمْ فَأَنْذِرْ " أَيْ لَا تُفَكِّر فِي قَوْلهمْ , وَبَلِّغْهُمْ الرِّسَالَةَ .

وَقِيلَ : اِجْتَمَعَ أَبُو لَهَب وَأَبُو سُفْيَان وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالنَّضْر بْن الْحَارِث وَأُمَيَّة بْن خَلَف وَالْعَاص بْن وَائِل وَمُطْعِم بْن عَدِيّ وَقَالُوا : قَدْ اِجْتَمَعَتْ وُفُود الْعَرَب فِي أَيَّام الْحَجّ , وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْر مُحَمَّد , وَقَدْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَار عَنْهُ ; فَمِنْ قَائِل يَقُول مَجْنُون , وَآخَر يَقُول كَاهِن , وَآخَر يَقُول شَاعِر , وَتَعْلَم الْعَرَب أَنَّ هَذَا كُلّه لَا يَجْتَمِع فِي رَجُل وَاحِد , فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِد يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ , وَتُسَمِّيه الْعَرَب بِهِ , فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُل فَقَالَ : شَاعِر ; فَقَالَ الْوَلِيد : سَمِعْت كَلَام اِبْن الْأَبْرَص , وَأُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت , وَمَا يُشْبِه كَلَام مُحَمَّد كَلَام وَاحِد مِنْهُمَا ; فَقَالُوا : كَاهِن . فَقَالَ : الْكَاهِن يَصْدُق وَيَكْذِب وَمَا كَذَبَ مُحَمَّد قَطُّ ; فَقَامَ آخَر فَقَالَ : مَجْنُون ; فَقَالَ الْوَلِيد : الْمَجْنُون يَخْنُق النَّاس وَمَا خَنَقَ مُحَمَّد قَطُّ . وَانْصَرَفَ الْوَلِيد إِلَى بَيْته , فَقَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة ; فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْل وَقَالَ : مَا لَك يَا أَبَا عَبْد شَمْس ! هَذِهِ قُرَيْش تَجْمَع لَك شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ , زَعَمُوا أَنَّك قَدْ اِحْتَجْت وَصَبَأْت . فَقَالَ الْوَلِيد : مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَة , وَلَكِنِّي فَكَّرْت فِي مُحَمَّد , فَقُلْت : مَا يَكُون مِنْ السَّاحِر ؟ فَقِيلَ : يُفَرِّق بَيْنَ الْأَب وَابْنه , وَبَيْنَ الْأَخ وَأَخِيهِ , وَبَيْنَ الْمَرْأَة وَزَوْجهَا , فَقُلْت : إِنَّهُ سَاحِر . شَاعَ هَذَا فِي النَّاس وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِر . وَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْته مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِقَطِيفَةٍ , وَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " .

وَقَالَ عِكْرِمَة : مَعْنَى " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " أَيْ الْمُدَّثِّر بِالنُّبُوَّةِ وَأَثْقَالهَا . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مَجَاز بَعِيد ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَنَبَّأَ بَعْد . وَعَلَى أَنَّهَا أَوَّل الْقُرْآن لَمْ يَكُنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثَانِيَ مَا نَزَلَ .

قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " : مُلَاطَفَة فِي الْخِطَاب مِنْ الْكَرِيم إِلَى الْحَبِيب إِذْ نَادَاهُ بِحَالِهِ , وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِفَتِهِ , وَلَمْ يَقُلْ يَا مُحَمَّد وَيَا فُلَان , لِيَسْتَشْعِر اللِّين وَالْمُلَاطَفَة مِنْ رَبّه كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الْمُزَّمِّل " . وَمِثْله قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ إِذْ نَامَ فِي الْمَسْجِد : ( قُمْ أَبَا تُرَاب ) وَكَانَ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَسَقَطَ رِدَاؤُهُ وَأَصَابَهُ تُرَابه ; خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَمِثْله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِحُذَيْفَة لَيْلَة الْخَنْدَق : ( قُمْ يَا نَوْمَان ) وَقَدْ تَقَدَّمَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • قضايا تهم المرأة

    قضايا تهم المرأة : فقد رأيت أن أفرد من كتابي «الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة» قضايا تهم المرأة، ونحو ربها ودينها ودنياها وآخرتها في الحث «على الزواج وبيان فوائده» والتحذير من غلاء المهور وبيان أضراره، وذكر العلاقات بين الزوجين في نظر الإسلام، وإباحة تعدد الزوجات في الإسلام، ووجوب الحجاب على المرأة المسلمة صيانة لها، وبيان ما يلزم المحدة على زوجها من الأحكام (وذكر خطورة الاختلاط بين الرجال والنساء غير المحارم). (وصفات نساء الجنة) (وصفات نساء النار، والحث على وقاية الأنفس والأهل من النار). «وبيان حكم مصافحة المرأة الأجنبية التي ليس محرما». «وبيان أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس». «وما جاء في زكاة الحلي، وبيان تحريم تبرج النساء، واختلاطهن بالرجال والأمر بالحجاب، وأن النساء على النصف من الرجال في بعض الأحكام، وذكر نقد مساواة المرأة بالرجل على ضوء الإسلام».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209159

    التحميل:

  • قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية دراسة نقدية في ضوء الإسلام

    قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية دراسة نقدية في ضوء الإسلام : إن للمرأة في الإسلام مكانة كريمة فقد كفل لها جميع حقوقها، ورعاها في جميع أطوار حياتها موصيا بها الأب في حال كونها ابنة – والزوج في حال كونها زوجة – والابن في حال كونها أما. وإن المتتبع لأحداث المرحلة الزمنية الراهنة التي تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية وما يشن من غارات فكرية وهجمات شرسة لنشر المفاهيم الغربية الفاسدة لاسيما ما يتعلق بالمرأة - ليدرك خطورة الوضع الراهن، خاصة مع هيمنة الحضارات الغربية، وتعلق دعاة التغريب بها. وقد اضطلع الدكتور فؤاد بن عبد الكريم بكشف أحد جوانب هذه المؤامرات التي تحاك من خلال المؤتمرات التي تقوم عليها الأمم المتحدة وأجهزتها مع وكالات دولية أخرى انطلاقا من بعض المفاهيم والمبادئ والأفكار كالعلمانية والحرية والعالمية والعولمة. - ملحوظة: قام المؤلف باختصار الرسالة في مُؤَلَّف من إصدار مجلة البيان بعنوان : العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية؛ فجاء في مقدمة الكتاب: " وقد استقر الرأي على اختصارها وتهذيبها لتناسب القراء عامة، ومن أراد المزيد من التفصيل فليرجع إلى أصل الرسالة التي تزيد صفحتها عن 1300 صفحة "، وقد نشرنا المختصر على هذا الرابط: http://www.islamhouse.com/p/205659

    الناشر: موقع الدرر السنية http://www.dorar.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205805

    التحميل:

  • السفر آداب وأحكام

    السفر آداب وأحكام: قال المؤلف - حفظه الله -: «ففي الإجازات الموسمية تكثُر الأسفار وتتنوَّع؛ فهي إما سفر عبادة وقُربة؛ كحج أو عمرة، أو زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو صلة رحِم، أو دعوة إلى الله، أو طلب علم، أو غير ذلك، وإما سفرًا مباحًا؛ كالتجارة أو السياحة الترويحية المباحة، وقد يكون سفرًا محرمًا؛ كالسياحة المحرمة، أو السفر لارتكاب المنكرات، أو للذهاب إلى السحرة والكهنة والعرَّافين؛ وعليه فالسفر عمومًا: مفارقة الأوطان لأغراض دينية أو دنيوية. وللسفر آداب وفوائد وأحكام جمَّة، نتناول شيئًا منها عبر هذا الكتاب، ثم نختمه بالإجابة عن أسئلة مهمة تتعلَّق بالسفر وردت على موقع الإسلام سؤال وجواب».

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/341877

    التحميل:

  • النكاح ثمراته وفوائده

    الزواج أمر تقتضيه الفطرة قبل أن تحث عليه الشريعة وتتطلبه الطباع السليمة والفطرة المستقيمة؛ لأنه حصانة وابتهاج، وسكن وأنس واندماج، به تتعارف القبائل، وتقوى الأواصر، وهو آية من آيات الله وسنة من سنن رسله، ولكن الزواج في هذا العصر أضحى مشكلة اجتماعية خطيرة، تستوجب الحلول السريعة؛ وذلك بسبب ما يحدث من العقبات والعراقيل من العادات والظواهر السيئة التي تحول دون الزواج، وفي هذه الرسالة بيان لبعض ثمرات وفوائد النكاح.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/66476

    التحميل:

  • الدعوة إلى الله توجيهات وضوابط

    الدعوة إلى الله توجيهات وضوابط : يحتوي الكتاب على: • مقدمة • حمل الأمانة • عظيم الأجر • من فوائد الدعوة • ركيزتان • من صفات الداعية المربي • شبهات على طريق الدعوة • إحذر أخي الداعية • الفهرس

    الناشر: مجلة البيان http://www.albayan-magazine.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205801

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة